31‏/01‏/2012

على طاولة المجلسين


من أهم الصناعات التي حُرمت الشعوب منها هي صناعة التشريع، ومع التطور أصبح الشعب هو المشرع سواء عن طريق ممثليه بالأغلبية أو عن طريق الاستفتاء العام، على اعتبار أنه هو مصدر كل السلطات في الدولة، وفي كل الأحوال فإن صناعة التشريع هي صناعة تهدف في أسمى تجلياتها لتفرغ في قوالب يرغب فيها عامة الشعب.
أسمى ما تقوم به المجالس البرلمانية هي وظيفة التشريع التي تقولب وتعكس بشكل مباشر آراء ورغبات المجتمع وفي الوقت ذاته تعاقب عن كل فعلٍ يستهجنه المجتمع، وهذا مجلس عمان اليوم أتى ليبلور الدور التشريعي لعمان قاطبة، بعيدا عن الأطر الضيقة لمفهوم الولايات أو تمثيل الولاية نفسها.
عانت مقترحات القوانين في الفترات الماضية سياسة صارمة، أبسط ما يقال عنها سياسة إخفاء ولا سيما إخفاء طرق وآلية سن التشريع مع جهل عارم عن الجهة التي صاغت هذا التشريع، حيث لا يدرك المواطن ما هو القانون الذي ينتظره خلف الأبواب المغلقة إلا بعد صدوره ونشره في الجريدة الرسمية، وتفاقم هذا التصرف فيما بات يعرف بالتخبط التشريعي ومخالفة القوانين بعضها لبعض أو مخالفتها للنظام الأساسي للدولة خاصة في ظل غياب جهة قانونية تراقب توافق القوانين ومخالفتها.
نثمن الدور الذي يقوم به أعضاء المجلسين في هذه الأيام، حيث ضج صهيل الصحف بدراسة القانون الفلاني وغيره من خلال اللجان القانونية التي خلقت في المجلسين، إلا أن المواقع الالكترونية البراقة لكلا المجلسين لم تبادر بعد بنشر مسودة بهذه القوانين أو مقترحات تعديلها، أو كأقل تقدير تمريرها لبعض الصحف، ليتسنى للجميع إبداء الرأي  فيها سواء بالسلب أو بالإيجاب.
غاية ما يطمح فيه صانع الشيء أيًّا كان هو رصانة وقوة الشيء المراد صناعته عبر الأزمنة، وبما في ذلك صانع التشريع الذي بدوره يستعين بكافة الخبرات التي تؤهله إلى الرقي بالصناعة التشريعية، إلا أن الواقع العملي يكشف العديد من المثالب التي لا تتيح للمشرع الاستعانة بهذه الخبرات أو الآراء، الأمر الذي حدا بالعديد من الدول إلى نشر مسودات أو مقترحات القوانين إلى العلن وذلك لأجل شد انتباه المتخصص أو المدرك لأي مسألة تشريعية كانت، سواء من ناحية الصياغة القانونية أم من الناحية الاجتماعية أو النفسية، وهذا كله ينصب في مصاف الصناعة التشريعية التي تكفل رقي وتطلعات المجتمع، فإن كان لأي مواطن أو مقيم سواء أكان متخصص أو معني بالقانون عليه أن يأتي برأيه إلى المجلسين، وللجهة التشريعية الأخذ أو الرد وفقا لما تراه، ولأجل نجاعة هذه الفكرة ما على المجلسين سوى إعلان الجهة التي تستقبل هذه الآراء بكافة طرق التواصل بما فيها موقعها الإلكتروني الذي سينشر مسودة القانون المراد تعديله في العلن، وهنا أقصد بالعلن الحقيقي وليس العلن الذي قصده الشاعر أحمد مطر بقوله "هاتوا شكاويكم في العلن..ولى ذاك الزمن".
نشر هذا المقال بصحيفة الرؤية تاريخ 31/1/2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق