11‏/11‏/2011

بين التخبط وغياب الشرعية

أصبحت السلطة التشريعية في جميع دول العالم محل إهتمام المشرع الدستوري الذي حدد شروط وآلية سن القوانين ، بدءًا من اقتراحها وصولا لإصدارها وتطبيقها على الكافة، بالتالي تكون جميع القوانين التي يصدرها المشرع يفترض فيها الرصانة ومواكبة ما يقبله المجتمع وما يستهجنه ؛وذلك وصولا لدورها الطبيعي والعلمي الذي خلقت من أجله، فعلى المشرع أن يسن القوانين وفق منهجية تعالج كافة الجوانب سواء الاجتماعية منها أو الثقافية أو الاقتصادية أو النفسية في ما يتعلق بمجال علم الإجرام، من هنا تحديدا تستمد القوانين شرعيتها واحترامها لدى كافة أفراد المجتمع، فإذا أخفق المشرع في مواكبة المجتمع وتطلعاته المدروسه من كل النواحي فإنه بلا شك سيُفقد القانون سيادته وشرعيته.
عندما تحدد الدساتير مراحل سن القوانين فإنها تحاول بذلك خلق قانون يصمد لسنوات عدة دون أن تعتوره المثالب وهذه غاية كل مشرع، فإن غابت مراحل سن القانون سيزداد التسرع والتخبط التشريعي الذي يفقد القانون شرعيته و تتجلى الصور الأخيرة عندما يصدر قانون ويعدل قبل أن يمر عليه شهر أو شهرين، أو لم ينظر أمام المحاكم
فهنا عنصر العمومية والتجريد يتلاشى أمام المواطن المعني بتطبيق القانون ويفقد سمة الرسوخ في الأذهان والاحترام أيضا.
بعد الصحوة التي شهدها المجتمع والمطالب المشروعة التي صاحبتها، ذكرت الصحف أن وزارة الإعلام والشؤون القانونية قامت برفع مقترح تعديل قانون المطبوعات والنشر في العديد من مواده التي تربو على عشرين مادة، وذلك لتواكب العمل الإعلامي والصحفي وتطلعاته هذا من جهة ، ووجود لجنة قائمة لمعالجة أو صياغة قانون جديد لقانون الجزاء من جهة اخرى، إلا أن المخيب لبريق الأمل أن يأتى تعديل قانون المطبوعات في مادة يتيمة لا تعالج العمل الصحفي إنما لتوسع الإطار الجرمي و تعالج الشبكة المعلوماتية التي من الأساس سن لها قانون آخر وهو قانون جرائم تقنية المعلومات ناهيك عن قانون الاتصالات.
لم ينظم النظام الاساسي للدولة شكلية معينة لاقتراح وسن القوانين، إلا أن العرف الدستوري –إن جاز الوصف- استقر على مراحل عديدة أبرزها اقتراح الوزارة المعنية للقانون ومن ثم إعادة صياغته لدى وزارة الشوون القانونية ، وأخيراً استحدث تمريره لمجلس الدولة والشورى، وبالرغم أن هذه المراحل غير ملزمة إلا أنها على أقل تقدير تعطي قدر لا بأس به من تبادل الآراء وإن كان داخل الإطار الحكومي، إلا أن الغريب في الأمر أن ترفع من مجلس الوزراء توصية بتعديل عشرين مادة ولا يأتي منها إلا مادة يتيمة ليس ذلك فقط إنما حتى بعض الوزارات المعنية لا تدري أصلا من أين أتى هذا التعديل، هذا الأمر بحد ذاته يثير سخط المواطن على القانون الأمر الذي بدوره سيخلق حالة من عدم الاستقرار في المنظومة التشريعية بالتالي يفقد القانون أسمى سماته وهي العمومية والتجريد وإحترام الكافة له وصولا لفقد شرعيته.
الزج بالوسائل الإلكترونية والشبكات داخل إطار قانون المطبوعات يدل على التسرع ؛وذلك لسببين أولهما أن القضاء في العديد من أحكامه قرر أن قانون المطبوعات لا علاقة له بالنشر في الشبكات أو المواقع الالكترونية، وإستجابة لرؤية القضاء قام المشرع وفقا للقنوات العادية التي سبق بيانها بإستحداث قانون جرائم تقنية المعلومات وتعديل قانون الاتصالات فلماذا يفرض على القضاء نصوص سبق ان أدلى برأيه فيها، ولماذا تستحدث مواد لكل حادثة وكأن صفة العمومية التي يتشح بها القانون بدأت تتلاشى أمام الرغبات الفردية للمشرع؟
مجلة الفلق، العدد 19